قصة الغرابة الكاتبة : بيداء جاسم محمد ماجستير لغة عربية
قصة الغرابة الكاتبة : بيداء جاسم محمد العبيدي ماجستير لغة عربية
![]() |
قصة الغرابة الكاتبة : بيداء جاسم محمد ماجستير لغة عربية |
"حين تمرّ الفكرة على هيئة امرأة"
لم يكن أحدٌ في القرية قد رأى مثلها من قبل.
وصلت في صباحٍ عادي بين صوت الديكة وصرير الأبواب الخشبية.
لم تأتِ على حصانٍ أبيض ولا تبعها غبارٌ سحري.
فقط كانت هناك… واقفة عند طرف الساحة كأنها خرجت من فراغ.
اقترب منها "سالم" متوجساً. رجل عمليّ لا يحب التفسيرات الملتوية.
قال لها بصرامة:
_ من أنتِ؟
نظرت إليه بعينين هادئتين وقالت ببساطة:
_ أنا الغرابة.
ضحك الناس وسُمع همس في الخلف:
– هذه مجنونة.
– لا شك أنها ضائعة.
لكنها لم ترد فقط جلست على الدكة الحجرية تحت شجرة التوت كما لو كانت تنتظر شيئاً… أو شخصاً.
مرّت أيام ووجودها بدأ يثقل الصدور.
ليست مؤذية لكنها لا تشبه أحداً.
في كل صباح تجلس بهدوء تنظر وتبتسم وكأنها ترى ما لا نراه.
وفي صمتها بدأت القرية تتغير.
"سليمان" الرجل العجوز الذي لم يخرج من بيته منذ وفاة زوجته جلس بجانبها ذات صباح.
بعدها بدأ يروي للناس قصصاً قديمة فيها حياة لم يعرفوها من قبل.
"مريم" الخياطة ذات الصوت المكبوت تحدّثت معها مرّة… وفي اليوم التالي فتحت باب بيتها لأول مرة منذ سنوات وعلّقت فستاناً أحمر في واجهتها.
أما "سالم"، فقد تغيّر وجهه.
صار يسأل بدل أن يأمر ينظر بدل أن يحكم.
الناس انقسموا منهم من قال: "وجودها نعمة."
ومنهم من همس: "هي لعنة."
لكن الجميع شعر بشيء لم يُسمِّه أحد:
أن حضورها كشف هشاشتنا كأننا عشنا سنواتٍ في قشرة سميكة من العادة وجاءت هي لتشقّها بهدوء.
وفي إحدى الليالي اختفت
لا أحد رآها تخرج ولا سمع خطواتها فقط… لم تكن هناك.
وجدنا على الدكة حيث كانت تجلس ورقة عليها بخط يد أنيق
"لم آتِ لأبقى بل لأذكّركم أن الغريب ليس عدوّاً وأن الحياة تبدأ حين نرى أنفسنا بعيونٍ لا تُشبهنا"
قرأناها مرات... بعضنا مزّقها.... وبعضنا علّقها في صدر بيته.
لكن منذ ذلك اليوم لم تعد القرية كما كانت.
صرنا ننتبه للوجوه نصمت أكثر ونتساءل كلما دخل غريب الساحة:
_ هل عادَت؟
أم أن الغرابة .... تسكن فينا الآن؟
عزيزي المشاهد لا تترك الموضوع بدون تعليق وتذكر ان تعليقك يدل عليك فلا تقل الا خيرا :: كلمات قليلة تساعدنا على الاستمرار في خدمتكم ادارة الموقع ... ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )