قصة الفتاة اليتيمة الابو والام كاتب القصة أستاذ عبد الرحمن عبد الله بكالوريوس علوم الاحياء
قصة حياة فتاة يتيمة الابوين الكاتب الأستاذ عبد الرحمن عبد الله
تدور أحداث قصتنا حول فتاة تدعى لورين تبلغ من العمر الثامنة عشر ذات عيون سوداء قاتمة كأن خيوط الليل تنبعث من مقلتيها أشبه بِقلب قاتلٍ قَتّلَ رفيقهُ قبل عدوهُ ؛ وينسدل على كتفيها خصلات تحمل ذات اللون وتلك بشرتها البيضاء التي تسرُ الناظرين كأنها رسمةٌ فائقة الجمال ؛ ولكن أي مُهْجَةٌ فارغة هذهِ؟ يتخللها البرود ، أشبه بجثة هامدة ؛ جمالها لا يعني شيئاً أمام سوداوية نعامتها.
تمكث هذه الفتاة في منزل صغير وَرثتهُ عن والدتها التي فارقت الحياة في ريعان شبابها؛ مكان صغير جداً لا يسع سوى لروحها الهزيلة وزوايا المنزل المهترئة تتصارع معها وتسرد لها قصصً عن تلك السنين التي عاشتها بين راحة يدٍ رحيمة فتبدأ الدموع بالانهمار كأنها بركة ماءٍ فُتح مجراها كلما نظرت إلى أركان منزلها فترى صور والدتها وتبدأ بالنحيب ..
قائلةً : لمَ لمَ يا أماه؟ لمَ تركتيني هكذا كأني طفلٍ صغير سُرقت لعبتهُ فلا حول ولا قوة له سوى البكاء والعويل ؛ أهذا ما أردتيه لي؟ ألهذا الحال أنتِ راضية؟
ولأجل العيش وتلبية متطلبات الحياة عملت الفتاة في إحدى الأماكن" مقهىً مزريٍ " ويشمل عملها على تقديم الأكل والشراب للزبائن ؛ لتستطيع تأمين قوت يومها على الأقل..
في إحدى الأيام العابرة و وجومها المرعب الذي سيصدح بزمجرةٍ ما بعد ذلك و إذ شاب قد حضر إلى مكان العمل المعروف هذا ، فأخذ بحجز طاولة وأشار إلى الفتاة بأن تأتي إليه بالماء ، أتت الفتاة بملامح بائسةٍ وتحمل في كفتيها الصغيرة الماء فتناول الرجل الماء فقد كان ذو ملامح حادةٍ و غامضة عالي المنكبين ، يستعرض بهما في تبخترهِ
فسأل بهدوءٍ الفتاة : ماذا تكونين يا فتاة؟
أردفت الفتاة باستغراب : لم أفهم يا سيدي ماهو قصدك؟
فرد عليها قائلاً : كم من النقود التي تكفيكِ حتى تشاركينني هذه الطاولة؟
فترنحت رويداً مجيبةً : لا عليك يا سيدي فعلى كل حال يُمنع مشاركة الطاولة من قِبل العامل مع الزبون ..
ابتسم الرجل بحدة فـ همس في أُذنِها : ما أتفه قدَركِ يا فتاة..
ألجمت الفتاة شفتيها فارتعدت من زلزلة كلماته وبدأت تكزُ شفتيها ، فهي لم تدرك بأي كلمةٍ تنطق فبدأت كفتيها ترتجف كأنما صوّب بزنادهِ نحوها حتى ارتعش جسدها المهفهف دون توقفٍ ، فاحمرت مقلتيها وقد غدقتا بأُجاجٍ يسيل بوجنتي الرمان خاصتها ، فهلعت الفتاة بعيداً عنه ، لتكمل عملها نحو انجرافٍ دون إرادةٍ ولا قوةٍ منها ..
ابتسم الرجل بخبثٍ فأتمم شرابه وغادر، كأنه رعد بتلبدِ غيومٍ سوداويةٍ تنبثق منها عاصفةٌ مزمجرة ؛ وإذ به عائدٌ في اليوم الثاني لزيارة المكان مرةً أخرى فجلس في نفس الطاولة وقام بالإشارة إلى الفتاة إلا أنها استدارت رعشةً ورفضت القدوم فأرسلت صديقتها جوان عوضاً عنها ؛ أقدمت جوان إليه كي تلبي رغبته لكنه رفض ذلك
فقال بغضبٍ : أين صاحب المكان؟
ترنحت جوان قليلاً دون أن تنبس ببنتِ شفةٍ فبدأ الرجل بالتهجم بصوته الجهور ؛ حتى هلع صاحب المكان مستفهماً عمّ يجري فقد كان رجلٌ ضخم البُنية يبلغُ الثلاثة والأربعون من عمره ويطلق عليه اسم أليكس
فذهب أليكس للرجل متعجباً : ماذا بك يا سيدي؟
أردف الرجل قائلاً بجزع : طلبتُ تلك الفتاة لكنها رفضت تلبية طلباتي! فأرسلت لي صديقتها..
قال أليكس مهدئاً إياهُ : لاتهتم يا سيدي سوف تأتي إليك الفتاة التي ترغب بها واعذرنا على خطأنا هذا.
حضرت إليه الفتاة فقامت بالتحدث معه وقد كانت الإبتسامة الكاذبة تُزين ملامحها و تزحزح مآسيها المغمرة بوجهها رغماً عن أنفها فهذه هي متطلبات عملها ولارفض في ذلك ، فاستمر الحال إلى أن غادر الرجل .
وفي أثناء منتصف الليل ، في لُجة عتمته الحالة، قد خرجت الفتاة عائدةً لمنزلها وفي إحدى الأزقة الضيقة المؤدية إلى منزلها التقت بثلاث رجال ذو ملامح مرعبة تفوح منهم ريحُ مكرِ أذيتهم و طغيانهم فحاولت الفتاة الالتفاف وسلك طريق آخر لكنها لم تستطع ذلك فقد قاموا بإحاطتها ثلاثتهم..
فانهالت عليها الضربات من كل جهة وكل إنشٍ في جسدها وأحاطوها بالركلات بكلِ مكرٍ و لا رحمة ، فتعالت صرخاتها تشقُ الضمائر في نفوسِ مَن يحرك ساكناً نحوها ، حتى وصل صوتها لرجلان أحدهما كان ذو بُنية جسمانية ضخمة و حضورٌ موّقر الهيمنة وبمجرد النظر إليه لأول مرة سوف تدرك ماهية منزلته المرموقة أما الرجل الثاني الذي يصاحبه فقد كان أحد حراسهِ كـ ظِلٍ له يرافقه في غيهب الشمس و إطلالتها ؛ فإذ بالحارس يقوم بإشهار سلاحه بوجه الرجال الثلاث حتى فرو هاربين إلا أنّ وقاحة فعلتهم بات أثرها في كينونة الفتاة والتي هشمّت حيلة جسدها الهزيل ، فاقتربا ليساعدا الفتاة على الوقوف وقام حارس الرجل بإعطائها سترته كي يخفف آلامها ، كانت تتقلقل دون توقف و تفكير ؛ فقام بأخذها معه لمنزله حتى يتسنى لها الوقت للملمة كيانها المنتهك و الذي بطش بروحانيتها بطشاً بعيداً.
حتى إنجلى الليل وبانت أولى خيوط الصباح فخرجت الفتاة من منزل الرجل وتشكرته على ما قام بهِ من أجلها وبعد ذلك ذهبت إلى عملها وعند اقتراب المساء حضر " ذاك الرجل" فجلس على نفس طاولته تلك وطلب نفس الطلب منها ؛ فجلس يتناول شرابه وفي أثناء تناوله كان يتأمل الفتاة بتمعن وإذ بـ هالةِ " ذلك الرجل المرموق" تستأثرُ أروقة المكان ، فذهبت الفتاة نحوه مسرعةً بصدرٍ رحبٍ لعلها تساعده وتقوم بشكره بالوقت ذاته على ما فعله من أجلها في حادثة ذلك اليوم ؛ فنظر ماكس إلى الفتاة وهو يقبعُ بنظراتٍ مقاربةٍ للإنزعاج و التعمق في محضِ فكرةٍ ما فقد كانت الفتاة تتودد وتشكر الرجل المرموق دون تردد ، فخطرت على بال الرجل فكرةٌ ما تُمكنه من إتمام ما كان يَودُ به طيلة هذه الفترة..
غادر كِلا الرجلين بعد ساعاتٍ من مكوثهم في المكان فقد كانا يلازمان طاولتان تقابل كلاً منهما الأخرى ، وعند حلول منتصف الليل و سكونه ذهبت الفتاة لمنزلها مسرعةً قد تلبسها وحشُ الهلع منذ تلك الحادثة ، حتى وصلت باب منزلها فاندهشت عند لقاء "ذاك الرجل" الذي كان من مقربة المنزل ؛ فطلب منها أن تسمح له بالدخول إلى منزلها فما سيتحدث عنه في غاية الخطورة و السرية ، فوافقت الفتاة على ذلك رغم ترددها ، فكانت أول جملةً قالها هي الإعتذار عما بدرَ منه في تلك الليلة!
فقالت له دون تفاجئ : لاعليك فما بدرَ منك ليس بالجديد علينا!
وأتممت كلامها بهدوء : لا أعتقد بأنك قد أتيت إلى منزلي من أجل الإعتذار فقط! فإن كان هنالك شيئاً تودُ قوله فقلهُ؟
اقترب الرجل نحوها قائلاً : حسناً ، سوف أدخل في صُلب الموضوع ؛ ادعى ماكس وأنا ضابط بالأمن العام وأودُ أن تساعديني في قضيةً ما..
أردفت قائلةً بتعجب : مساعدة! لا أعتقد بأنني قادرةٌ على مساعدتك فكما ترى أنا مجرد نادلة لا مكان ولا هوية لي في هذا العالم المشؤوم.
فأردف قائلاً بتفهم : لا عليكِ! فما سأطلبهُ منكِ هو شيءٌ يكمن في عملكِ هذا! ولن يكلفك شيئاً سوى المراقبة.
تعجبت الفتاة وقالت : لم أفهمك جيداً ! ماذا تقصد بالمراقبة تحديداً؟
ردَّ عليها موضحاً : هنالك رجل أود منكِ أن تراقبيه وهو شريك في المكان الذي تعملين فيه ؛ وبالطبع عملكِ معي لن يكون بلا مقابل فالدولة سوف تخصص لكِ بعض الأجور.
تمتمت الفتاة بينها وبين نفسها حتى أجابت عليه قائلةً : دعني أفكر في طلبكِ هذا و حين أوافق عليه سوف أتواصل معك ، لذلك دع رقمك هنا من أجل ذلك.
وافق الرجل على ذلك وبالفعل فعل ما طلبتهُ منها وغادر بهدوء سكون المكان...
وفي اليوم التالي حضر الرجل المرموق هالة مكان عملها فتعجبت الفتاة لورين لرؤيته هنا مرةً أخرى! وبدا على ملامحها الكثير من التساؤلات ، ماذا يفعل رجلٌ ذو منزلة مرموقة مثله في هذا المكان المثير للشفقة؟!
لم تُعر للأمر إهتمام فذهبت إليه حتى تشكرهُ مرةً أخرى على ما فعله معها فتسأله إذا كان بحاجةٍ للمساعدة
فقال لها : لا عليكِ لم أقم بالشيء الكبير فما كان هذا إلا عمل صغير سيقوم بهِ أي شخص ؛ وأما بخصوص مساعدتك فشكراً لكِ لا احتاج شيئاً أتيت إلى هنا لأمرٍ ما وسأغادر من هنا في حال ذلك.
وفي هذهِ الاثناء كان ماكس رجل الأمن ذاك يراقبهم عن بُعد فابتسم قائلاً : حسناً كل شيء يصُب في صالحي.
وبعد رحيل الرجل المرموق اتجه ماكس نحو الفتاة ليخبرها بأن هذا الرجل الذي كانت تتحدث معه هو الرجل ذاته الذي طلب منها أن تراقبهُ ، فأخبرها بذلك وتعجبت الفتاة لورين مما سمعته! فهي لم ترى من ذوي هذا الرجل سوى الخير منه
فقالت لماكس بـ رفضٍ مؤكد : لا يمكنني ذلك ، فكيف لي أن أقدم على الضرر برجل قد قدم لي المساعدة يوماً!
فأجابَ ماكس ونظرات الخيبة تسودُ تقاسيم وجهه : لن تضريه بشيء! فعملكِ يقتصر على مراقبتهِ فحسب.
فـ ردّت سريعاً : أعتذر لا أستطيع القيام بذلك..
فانتفضت من طاولة الرجل بعيداً عنه ، فلم تفكر في نية مساعدته البتة..
قد عمّ سوادُ الخيبة والخذلان أهازيج المكان وفي أثناء مغادرة ماكس اقترب نحوها مضمماً كِفةَ يدها بقوة قائلاً : أرجو أن تفكري في الأمر ملياً، طابَ يومكِ.
فعادت الفتاة إلى مقهى المكان لإتمام ما تبقى لها من عمل فغداً يوم إجازتها ، أتممت الفتاة عملها وعادت لمنزلها في الوقت المتأخر من الليل.
وفي اليوم التالي كانت الفتاة نشيطةً على غيرِ العادة فذهبت للتسوق ؛ كانت الفتاة محط أنظار الجميع لجمالها الآخاذ فقد افتتنت به كل الورى في خطواتها لتدفعهم خلفها مباشرةً دون ملاحظةٍ لها في ذلك ، وبعد مدة وجيزة ذهبت لمقهى صغير في السوق لشرب القهوة فجلست على طاولتها و بدأت بتناولها فكانت تسترقُ لذة مذاقها من ذوي مقلتيها و ترمي بـ مُرِ نكهتها لأليل الدهر الذي سكب فوقها حُمرة مرارة ضنك العيش فيها ، وفي أثناء تناولها للقهوة كان الرجل المرموق في ذلك المقهى صدفةً ؛ فبات يراقبها وينظر إليها بتمعنٍ لكن الفتاة لم تلاحظ وجوده ؛ فلم يبعد عينه عنها ولم يُضيّع لحظةً و أي حركةٍ قامت بها الفتاة في ذلك الوقت ، حتى خرجت من المقهى وعادت لمنزلها..
وفي بُكرةِ صباح اليوم التالي ذهبت لورين لعملها فوجدت في خزانة أغراضها بطاقة دعوةٍ للعشاء من قِبل ذاك الرجل المرموق والتي ستقبعُ في منزله ، في بادئ الأمر لم توافق الفتاة على ذلك! لكنها فكرت ملياً بأن رفضها سيعتبر نكرانٌ لجميلِ فعلتهِ ؛ لذلك استأذنت من صاحب العمل فوافق على ذلك ، فعادت لمنزلها وبدلت ثيابها فارتدت حِلة فستانٍ يسترقُ ملاحةَ القمر في بهاءه فكانت سيدة الليل في تلك الليلة المرصعة بنجومِ حُليِّها المثيرة ، حتى حان موعد الدعوة فذهبت الفتاة إلى منزل الرجل المرموق ذاك..
وعند دخولها لبوابة القصر قد استقبلها أحد الخدم وقام بالسير معها إلى غرفة الاستقبال وفي أثناء سيرها بدا عليها الاندهاش مما رأت ؛ كانت عينيها تزدادُ بريقاً لما تراه فالمنزل أشبه بالقصر ، لا بل كان قصراً بالفعل! فجدرانهُ مليئة بالصور والرسومات والتُحف الشهيرة وبواباته المتصدعة بُثرياتهِ الكريستالية و نعومة سجادِ أرضيته المخملية، وعند دخولها قاعة الضيوف التقت بالرجل متجندلاً.
رحب بها الرجل فردت عليه التحية وكان الارتباك سيد الموقف فلم تستطع أن تقول جُملٌ صحيحة من شدة ارتباكها حتى بدأت بالتلكئ وهي تُلملم ضعف شفتيها فابتسم الرجل حتى ازداد إحراج الفتاة بقوةٍ أكبر ؛ فقام الرجل بكسر ذلك الحاجز وأخذ بيدها إلى طاولة الطعام فقام بتقديم المقعد حتى تجلس باعتدال فقابلها هو بالجهة الأخرى ؛ و بدؤوا بتناول الطعام وفي أثناء تناولهم أخذوا يتحدثون فيما بينهم عن أمور الحياة و شاكلتِها..
وعند الإنتهاء من الطعام ذهبوا إلى الشرفة الرحيبة التي كانت مُطلة على زُرقةِ البحر بأجرامِ أسماكهِ التي تغوص في عمقهِ ، فقام الخادم بجلب زجاجة من العصير المعتق و وضعها على الطاولة وذهب ؛ فقام الرجل المرموق بسكب كأسٍ للفتاة فابتسم قائلاً : دعينا نبدأ صداقةٍ جديدة.
أخذت الفتاة كأسها بتردد وبعد الإنتهاء من كأسها سألت الرجل مستأذنةً منه عن موقع دورة المياه ؛ فأشار لها باتجاه اليمين فذهبت الفتاة مسرعةً وفي تلك الأثناء قام الرجل بوضع حبةً مخدرة في كأس الفتاة وسكب لها المزيد من العصير ، عادت الفتاة إليه بخجلٍ مُلحظ
فقال لها بابتسامةٍ قد كشّر بها عن أنيابه : دعينا نكمل شرابنا ثم نذهب للمكتبة كي أُريكِ بعض الأثريات وكلي يقين بأنها سوف تنال استحسانك.
وافقت الفتاة على ذلك وهي تُخفِض مقلتيها للأسفل وباشرت بإتمام كأسها وقبل أن تنهيه قد بدا عليها الترنح وعدم الثبات
ابتسم الرجل وقال لها : لم أكن أعلم بأنكِ غير قادرة على إتمام كأسكِ؛ حتى بدت على ملامحكِ الإنهاك! علّك غير معتادةٍ على السهر طويلاً..
قالت الفتاة بتمايل : لا أعلم ماذا جرى لي في الحقيقة!
فأجاب الرجل : لاعليكِ ارتاحي الآن ريثما يعود لكِ اتزانك.
وبعد بضع لحظات قد غابت الفتاة عن الوعي في وهلة ما..
وفي الصباح الباكر استيقظت الفتاة فوجدت نفسها مستلقيةٌ على أرضية قبوٍ غريب حالك السواد، هدوء السماء لم يكن مبشراً بل انبجس مزمجراً بزوبعةِ تقلقلٍ في روح الفتاة فبدأت ملامح الذهول والضياع باديةً عليها فتجسدها الهلع و الوجل لم ولن تستطع الكلام وقتها كأن عُقدة في لسانها قد حلّت لحظة استيقاظها شاءت حدقتا عينيها أن تنفجر من صدمة الذُعر فهي لم تعي ما حدث ، وإذا بها تقترب من باب القبو فتسمع تمتاتٍ من رجالٍ على مقربةِ مكانٍ ما من القبو يتناقشون حول كيفية قتلها لمحاولتها التقرب من حقيقةٍ ما! لم تعي الفتاة حوارهم جيداً ولم تفهم مقصدهم الصحيح فلم تستطع فعل شيء سوى فتح باب القبو بكل هدوء لتغادر المكان بكل ما أوتيت من سرعة متجهةً نحو منزلها..
وعند دخولها لمنزلها رميت حقيبتها وبدأت بالبكاء والعويل وأخذت تنظر لصورة والدتها والدموع تنهمر كأنه سيلٌ أفاض بمهجتها وانسال على وجنتيها التي تشعُ احمراراً من فرط البكاء، فبدأت تهذي بالقرب من صورة والدتها قائلةً : أتى إليّ رجلاً كان بهيئة ملاك أنقدني من جحيمي لكنِني كنت بغاية الغباء ؛ فلم أعلم أنني كنتُ كالفريسة بين يديه ليتفكر في ماهية قدري فيحاول قتلي دون رحمةٍ منه في ذلك، فأبلسَ آثامي لِبسُ وحشيةٍ ألبسني إياه لباسٌ صفيقٌ غير حُلٍ لي ، فكان كـ حرسٍ حينما تُقيد آثماً بسبعين كلاليب لظى فتسحبني أينما وليت وجهي..
قيدها رعدٌ مشحون فطوقها بأغلالِ أصفادٍ رماها بين زواياه الأربعة تنزوي بمصيرها بين دهاليز هاويةٍ قد أفتكت بها..
مضت الفتاة بطياتِ لحظاتها خُزياً و تهكماً لحالها الرثة ، كأنها فريسة في أدغالٍ غامضة يفترسها مَن يشاء ويرميها بعيداً ليقتلها ويقتلع ما بجوفها ؛ مرّ على تلك الحادثة يومان حتى أتى اليوم الثالث وجاء رجل الأمن إلى منزل الفتاة فقد استشعر الهالة السوداء التي طوّقت المكان ؛ وإذ بالفتاة ترفض إدخاله لكنه أصر مُخبراً إياها بأن هنالك معلومة قد تُفيدها فهي متعلقة بوفاة والدها ، ذُهلت الفتاة لما قاله فادخلته وطلبت منه أن يقول ما لديهِ بسرعة ويغادر ؛ وافق على ذلك وبدأ الحديث قائلاً : هنالك بعض الإشاعات والأقاويل تتحدث عن حقيقة موت والدكِ وأن هناك ربط بين مقتل والدك وعمله.
أردفت الفتاة والحيرة باديةً عليها : والدي! لكنه كان محضُ صحفيٍ بسيط وهذا ما قالته لي والدتي قبل وفاتها! وفي أثناء مقارنة حديث والدتي مع حديثك يظهر لي بأن هنالك جزء مخفي عني!
وإذ بالفتاة تتذكر تمتمات الرجال حول سبب مقتلها في القبو نظراً لتقربها من حقيقةٍ ما، علها الحقيقة هذه نفسها، فبدأ الرجل بالحديث والحماسة تغلبُ وجهه : نعم ؛ هنالك جزء مخفي عنكِ وهذا الجزء مرتبط بذاك الرجل الذي طلبتُ منكِ أن تراقبينه لأجلي..
أردفت لورين بتعجبٍ طائلٍ : ماذا ! ما علاقة والدي بذاك الرجل؟
فأتمم ماكس حديثه بكل تركيزٍ : وفق ما قيل بأن والدك كان مكلف بالتحري حول ذلك الرجل ؛ لأنهُ على معرفة واسعة بتجارة الأسلحة والممنوعات وبيع بعض أعضاء البشر النادرة؛ وما كان على والدكِ إلا الموافقة على هذا العمل! فما كان عليه سوى الادعاء بعمل الصحافة آنذاك.
أردفت الفتاة وهي تعاودُ الاستفهام : إن كان كلامك هذا صحيحاً ! ؛ فلِمَّ لم تخبرني عنه عندما عرضتَ علي طلبك آنذاك؟
أجابها ماكس بِـرويةٍ : اسمعيني ، لم أكن على علمٍ بذلك حينها! فكما أخبرتكِ فأنا رجلٌ في حِلةٍ على أمن هذهِ المنطقة وبعدما التقيتُ بكِ بدأت بالتحري عن المنطقة بشكل أعمق مما سبق.
وافقت الفتاة على العمل معه بعد مهلةٍ من التفكير في ذلك الوقت ، وانتهى يومهم بالاتفاق عن كيفية العمل وماهية خطتهم التالية ، غادر الرجل هالة المكان من بعد ذلك وذهبت الفتاة إلى غرفتها وبدأت التساؤلات تسيطر على عقلها حتى خارت قواها من فرط التفكير فبدأت عينيها تغفو تارةً بعد تارةٍ أخرى فارتمت و شبح والديها يعانقاها فاستسلمت للنوم وهي تغطُ بشكلٍ عميق بجسدٍ قد هلكَ من آفاتِ دهره فباتت أناملها المخدرة تلامس حفرة شفتيها كـ طفلٍ صغير افتقد قوت يومه..
وفي صباح اليومٍ التالي ذهبت الفتاة للمكتبة لشراء بعض الكتب ، مكملةً سيرها لشراء بعض حاجيات المنزل وبعد الإنتهاء من التسوق عادت للمنزل ثم بعد ذلك الذهاب للعمل وهناك اجتمع بهم صاحب العمل لكي يبلغهم عن حفلة خيرية يقيمها" الرجل المرموق" فأمر الفتاة أن تذهب مع زميلاتها رغماً عنها ، في بادئ الأمر لم تقتنع بالفكرة وقررت ألا تذهب حتى تذكرت وصايا رجل الأمن ذاك فإنه من الضروري الذهاب لتلك الأماكن التي يتمحور فيها ذلك الرجل فعاودت على الموافقة للذهاب إلى موقع تلك الحفلة الخيرية لكي تُحقق في أمر مقتل والدها ؛ فهناك يومان يفصلاها على موعد الحفلة..
وعند الإنتهاء من عملها اتصلت برجل الأمن وحدثته عما جرى وطلبت منه أن يأتي معها بصفته زميلاً لها بالعمل لكي يساعدها بالتحقيق فوافق الرجل على ذلك دون تفكير..
أقبل يوم الإحتفال وعُزِم الأمر فاتفقوا على آلية العمل ألا وهي " بأن تقوم بإشغال صاحب الحفلة ريثما يقوم ماكس بالذهاب لمكتب الرجل المرموق لجمع بعض الأدلة " فبدأت الحفلة وذهبت الفتاة بإتجاه الرجل واقتربت منه رويداً رويداً وبدأت بالتحدث معه فبادلها ذلك دون استغرابٍ منه حول هروبها من القبو! وباشرت الفتاة طلبها بالرقص معه والتي بدأت كلماتها تنزوي في إحدى أركان عقله فاكتسحته الفتاة فـلبى بطلبها عجزاً وباشرا بالرقصِ سوياً ؛ بالرغم من مجاراتهما لبعضهما في ذلك إلا أنها كانت تتقزز من هامته كاملاً ، فبدا يسبحان في خلاءٍ فسيح لكن ضياء شمسها آبى العطاء من جديد حيثُ كان يهمس في أُذنها و يتمتم كلماتٍ غريبة كأنما يهددها في قتلها مجدداً، إلا أن لورين لم تعي ما يقول فقد كانت تحاول الثبات رغم رجفة نبضها فالخلجات اقتحمتها وقد بدا ذلك على وجنتيها لكنها كابرت وأكملت ما بدأته ؛ وفي تلك الأثناء ذهب رجل الأمن ماكس إلى مكتب الرجل المرموق دون ملاحظةٍ من أي أحد وقام بالبحث عن أي دليل يجده في طريقه ، استمرت الحفلة حتى منتصف الليل لكن رجل الأمن قد رحل قبل إنتهائها فلحقت بهِ الفتاة بعد مهلةٍ من الوقت ؛ فقد اتفقا قبل المهمة أن يلتقيا سوياً في منزلها عند إتمام المهمة..
حضر رجل الأمن إلى منزل الفتاة وهناك بدأت مناقشاتهم ؛ فبدأ الرجل بالحديث حول نوعية الأدلة التي جمعها ألا وهي بضع مستندات مزورة تعود مُلكيتها لعوائل مُتعففة ذات دخل بسيط حيث قام الرجل المرموق المدعو باسم " ماركس " بالإحتيال عليهم وقد أجبرهم على بيع منازلهم وإلا سوف تقوم الدولة بهدمها من أجل بناء طريق محاذي للطريق العام ويُمر من خلال منازلهم فما كان لهم من حول ولا قوة إلا خنوعاً لسيادته و تجنباً لتلك الخسارة قد قاموا ببيع أدوار مساكنهم له بمبلغ زهيد.
وبعد الإنتهاء من هذهِ الجزئية التي ورِدت بها الأدلة اقتربت الفتاة وسألت ماكس : ماذا عن والدي ! هل تمكنت من إيجاد دليل يُثبت تورط ماركس بمقتله؟
فقال لها بثباتٍ جامح : وجدتُ ملفاً صغيراً مكتوباً عليه اسم والدكِ ؛ فقمتُ بفتحهِ فلم أجد بهِ ما يثبت تورط ماركس بقتل والدكِ وإنما كانت عبارة عن بضع رسائل وتقارير تخص والدكِ ، و ها هو الملف أمامكِ يُمكنك قراءتهُ.
وبعدما دامت محادثتهم قرابة الساعتين دون توقف بها وإذ برجل الأمن نهض وقال : حسناً سوف اذهب الآن وسأقوم بإبلاغكِ عن أي تطورات جديدة ؛ وهنالك شيء آخر إياكِ ونسيان أمر مراقبة ماركس ذاك فلربما ينسى ذاته وقد يترك خلفهُ ثغرة تُمكننا من الإطاحة بهِ!
فأردفت الفتاة : لا عليك ، من المستحيل أن أنسى ذلك اطمئن.
ألقى رجل الأمن التحية وغادر من بعدها وبدأت الفتاة بالتفكير لمحاولة إيجاد طريقة تُمكنها من إيجاد أي دليل أو أي شيءٍ مهم حول ماركس ، فهي تكادُ لا تكبح نفسها على الوقوع به سريعاً لتنتقم لوالدها شرّ انتقام..
بعد يومين لم تطأ الفتاة بثباتها في الكشف عن الحقيقة حتى وصلها خبر مقتل رجل الأمن أثناء ملاحقتهِ لعصابة تقوم بتهريب الممنوعات ، صدمت الفتاة من هذا الخبر وبدأ اليأس يتملكها ؛ فكيف لا ومن قُتل هو وسيلتها للإطاحة بماركس! والانتقام منه إذا ثُبت تورطه بقتل والدها ، تلبس الفتاة طيٌ من الآسى فلم تدرك ما تفعل لكن سلسلة وصايا ماكس قد عجّت بذكراها فلم تقف الفتاة عاجزةً بل سارعت إلى شقته وأخذت كل شيءٍ متعلق بقضية ماركس وفي أثناء جمعها للأوراق وإذ بها تلحظ رسالة صغيرة تتزحزح على سطح مكتبه قد كُتِب بها..
" وصلتنا أنباء تُفيد بأن رجال ماركس سوف يقومون بإستلام شُحنة كبيرة من الممنوعات ومن واجبي القبض عليهم ؛ لذلك إن حدث لي سوءٌ ما وانتهى بي المطاف بالموت فسوف تجدين جميع التحقيقات التي قمتُ بجمعها عن ماركس ورجاله في شريحة تسجيل موجودة داخل غطاء صورة والدتي ؛ وأرجو منكِ السماح و العفو لما فعلتهُ بكِ وإقحامكِ بالقضية ، وشكراً لكِ على كل حال "
حزنت الفتاة حزناً شديداً قد شعرت لوهلة بأنها قد افتقدت شخصاً قد فنى عمره خلف تلك القضايا لنجاة المظلومين والأبرياء و السفك بالطاغيين الذين تلبسهم وحشُ مطامعهم وشهواتهم وإذ بالفتاة تنهال بالدموع كأن عيناها جريان بركة ماءٍ عذبة تلامس وجنتيها فتواسيها عاتيةُ الرياح وتسدل خصلات شعرها تمايلاً..
بعد تلك الحادثة الهيجاء تأهبت الفتاة للمحكمة ورفعت دعوة بحق ماركس وسلمت أوراقها للقاضي ؛ وقد أُصدِر أمرٌ بجلب ماركس إلى المحكمة كي يدلي بأقواله وقد تمت الموافقة على ذلك وتم تحديد موعد الجلسة بالفعل..
أقترب اليوم المنتظر أخيراً وقد حان الوقت كي يُسدل الستار عن حياة رجل عاش مفسِداً قاتلاً ليسقط قناع الإنسانية الزائف هذا ، كما ادعت لورين عليه بالفعل..
امتلأت قاعة المحكمة فدخل القاضي آمراً للفتاة للإدلاء بأقوالها ؛ فتأهبت الفتاة بالتحدث حول ما جرى لها وما فعله هذا الرجل بحقها في تلك الحادثة الشنيعة المُروِّعة وذَكرت للقاضي أيضاً تحقيقها مع رجل الأمن الذي قد قُتل أثناء تأدية واجبهُ
وقالت للقاضي بنظرةِ حزمٍ : تِبعاً لهذه الجرائم التي وضحتها لك أودُ أن أخبرك بأنني أشك أن من قَتل رجل الأمن هُم رجال ماركس كي لا يقوم بفضحهم بعد أن رأى أشكالهم وهم يقومون بتهريب الممنوعات..
بدأ القاضي بالكلام قائلاً : لا يُمكننا الجزم بذلك ولايمكنني الحكم وفق تكهنات دون وجود دليل قاطع ؛ أما عن باقي القضايا فسوف نحقق حولها الآن!
توجه القاضي بهدوء نظراته لمحامي الرجل المرموق المتهم فقدِم له بالسؤال : ما هو ردك على هذهِ الادعاءات؟ وخاصةً الادعاء الذي يشمل وجود مستندات وهمية لأراضٍ ومنازل للبيع تخصُ عوائل صغيرة ذاتُ طبقةٍ من البساطة !
رد المحامي على كلام القاضي موضحاً : تلك المستندات كانت بالفعل تعود لعوائل متعففة وكانت عبارة عن وثائق أولية احتفظنا بها حتى نضمن أموال الناس ولا يضيع حق أحداً منهم ؛ وتفضل هذهِ هي المستندات الحقيقية التي توضح صِدق كلامي وأن كل عائلة أخذت أموالها بالكامل دون احتيال.
اطلع القاضي على الأوراق وتأكد من صحة كلامهم وهنا بدأت خيوط اليأس تتملك الفتاة وقد أحاطها الخذلان فجأةً لأنها كانت تعول على هذهِ القضية بالذات وها قد تمت تبرئتهم ، أكمل القاضي كلامه موجهاً السؤال لمحامي ماركس
قائلاً : وما هو ردك حول محاولة قتل الفتاة داخل القبو؟ فكما تعلم قانونياً يُمكنني الزّج بموكلك في السجن بسبب هذهِ الدعوة لوحدها !
أردف المحامي قائلاً : حسناً يا سيدي القاضي سوف أُثبِت براءة موكلي عما قد قيل بحقهِ ؛ أولاً يا سيدي القاضي الفتاة هذه تعمل في مقهىً وقد تعرضت للتنمر من قِبل الرجال وما كان على موكلي سوى مساعدتها وجلبها معه للقصر، فلو أراد قتلها لفعل ذلك فلا يمكن لفتاة هزيلة مثلها بأن تنجو من جبروت رجلٍ مرموق مثله! ويمكنك سؤالها بنفسك!
توجه القاضي بالسؤال للفتاة متعجباً : هل ما يقوله المحامي صحيح؟
ترددت الفتاة في الإجابة إلا أنها أجابت والخوف مسيطر عليها : ن-نعم سيدي إنّ كلامه صحيح..
اغتاظ القاضي من إجابتها وطلب من المحامي أن يُكمل كلامه..
تابع المحامي و نظراتُ الغِلبة تعتليه قائلاً : كما سمعت يا سيدي فمن البديهي بأن مثل هذهِ الأمور تحدث لها بكثرة طالما أنها فتاة هزيلة شبه مشردة منسية دون عائلة فتجد أمثالها يستغلون مثل هذه الفرصة الجيدةً لكسب الأموال عبر ابتزاز رموز المجتمع والطبقة الغنية منهم وخير مثال على ذلك هو موكلي الذي وقع ضحية لمكرهِم!
وأضاف المحامي قائلاً : أولم تعلم يا سيدي بأن والدة هذهِ الفتاة قد انتحرت؟ وكان انتحارها بسبب عشيقها الذي خانها ! ؛ فبعد كل هذه الجلسة ستجد بأن هذهِ العائلة كاذبة ومشتتة بالفعل ولا خيراً يُرجى من الدفاع عنهم..
توجه القاضي بالسؤال نحو الفتاة مستفهماً : ما هو ردك على هذهِ الادعاءات؟
توقفت الفتاة في مكانها كجثةٍ هامدة لم تستطع أن تنبس ببنتِ شفةٍ وكأن الزمن قد توقف عندها وانتهى كل شيءٍ بالنسبة لها فهي لم تكن تعلم بأن والدتها قد انتحرت! يا للسخرية حقاً فكيف لها بالإجابة وقد صُعِقت هي بالخبر ذاته..
كرر القاضي السؤال لها لكنها لم تستطع أن تُبدي أي ردة فعل أو تبرير ، أصدر القاضي أمره ونصّ على أنَّ الدعوة كانت كيديةٍ لتسجن الفتاة بتهمة التشهير برجلٍ محترم وذو مكانةٍ مرموقة في البلاد إضافةً لتهمة إشغال الرأي العام..
سُجنت الفتاة وهذا لم يؤثر عليها لأنها بالفعل قد انتهى كل شيء بالنسبة لها فلم يعد بالإمكان فعل أي شيء فباتت حالها يرثى لها ؛ وقد أصبحت زانغة في انتحار والدتها أو خسارة الطريقة التي قد تمكنها من الثأر لما فعله ماركس بها، لم تعي ما تفعله أو لِمّ هي هنا في الحقيقة! أهذه خطيئة ولادتها في هذا العالم الملعون؟ أم أنها أحد أولئك المنسيين في أسفلُ سُفلٍ في الدرك الأسفل وأعمقُ ما بهِ ، في هوَّةِ بقاعِ أرضٍ قد قيدتها ظُلماً و بهتاناً مدعين بأن الحق قد اعتلى وقد زهق الباطل فعلاً! هي لم تعي أي باطلٍ و أي حقٍ قد يوجد في جهات الكون هذا فقد شاءت الأقدار بأن تُقلَب بها فوق طبقاتِ الظُلم ضِعف طبقاتهِ نيطلاً..
وبعد مُضي يومان حضر ماركس إلى زنزانة الفتاة لورين ساخراً منها يخطو نحوها بتبخترٍ فانهال عليها بقذفِ كلماته الجارحة دون رحمةٍ من ذويه ولا شفقة لكن كل هذا لم يؤثر عليها فقد ماتت كل جوارحها وأحاسيسها...
ابتسم ماركس مُكشراً عن أنيابهِ : ألا تريدين معرفة قاتل والدك؟
لم تجِب الفتاة بأي كلمةٍ ؛ فبدأ ماركس بالكلام ساخراً مستهزأً بها : أنا من قتل والدكِ ؛ فقد كان يتجسس علي وكان يعدُ تقارير حول أعمالي الخفية فلم يعد بإمكاني سوى أن أقتله وقد أمرت رجالي بذلك ، وبعد مقتل والدكِ بمدة أتت إليّ والدتكِ تطلب المعونة كي تتمكن من رعايتكِ، وقلتُ في داخلي : كم هو محظوظ زوجكِ بإخلاصكِ هذا و من المؤسف حقاً بأنني قد قتلته! وبعد معرفتها لتلك الحقيقة قد انتحرت بسبب تلك الصدمة التي حلّت بها..
أعطيتُ والدتكِ الواهنة بعض الأموال شفقةً مني ليس إلا ، لكن دعيني أُصارحكِ الأمر إن والدتكِ كانت مخلصة وحذرة أكثر منكِ من خلال هذه الأمور ؛ حسناً أنا أعتذر لم يكن علي أن أخبرك بهذه الجزئية فقد زاد حماسي فجأةً ، سخر منها وغادر بعد ذلك...
ازداد سواد قلب الفتاة وأصبحت الدنيا كجحيمٍ بالنسبة لها فقد حطّت لعنةُ الأيام عليها ، سحامُ سوادٍ سادَ بسوداويةٍ سائدةٍ تسودُ سيادة و سيئة المكان و قد سيئت لها سيئاتُ سوءُ مُنقلبِها فلم يعد بوسعِها تحمل غِلظةَ إفك هذه الادعاءات التي في هامة القفصِ الآسر هذا فما من خيار لها سوى الخلاص الأزلي من لعنة هذا العالم فقد قررت الانتحار و حاولت فعل ذلك حينما اعتلت بحبلٍ غليظٍ معلقٍ في سقفِ السجن الدامس هذا وإذ بها تربطه حول عنقها واقفةً دون ترددٍ في ذلك بل بقيت تعصفُ بسلسالِ ذكراها الذي عاشته في ماضي عائلتها حتى عسعس المكان بعتمته أكثر لتنطِق بآخر كلماتها ، إلا أنها قد أخفقت في ذلك أثناء ملاحظة إحدى الحرسِ لها فاقتحم حُجرتها ليدفعها بعيداً محاولاً إيقافها وقد شاءت الأقدار عكس ذلك فقد منعها بالفعل من ذلك..
وبعد مضيٍ في دراسةِ حالة الفتاة فقد توصلوا بأنها قد وقعت في لُجة الاكتئاب الحاد ، وقد قاموا بإرسالها لمشفى المجانين وقد ارتمت عالقةً بين أربعة جدرانٍ بيضاءٍ لا تُشبه أي لحظةٍ قد عاشتها في حياتها وبقيت تترقب نهايتها لا أكثر ولا أقل بين تلك الزوايا و نحيب المرضى في تلك المشفى التي كانت أشبه بمعتقلٍ للمنفيين من الورى ، لم تُعتبر من البشر حقاً فقد كانت طوال حياتها محضُ جثةً لا مهجة لها و لا ضميرٌ يشفق بحالها أبداً ، قد أُعِدت لها عِدةٌ من ذوي عدتِهم بطشاً و زهقاً لروحها منذُ أن أينعت بتلاتها شوقاً لفُرجة هذا العالم لكن أنصال الشوق قد كُسِرت في جوفها منذُ مطلعِ غرسِها فباتت زهرةً على سفحِ جبالٍ تعصف بأعاصيرها الضارية حتى مُزِقت كل وريقاتها بعيداً بعيداً...
عزيزي المشاهد لا تترك الموضوع بدون تعليق وتذكر ان تعليقك يدل عليك فلا تقل الا خيرا :: كلمات قليلة تساعدنا على الاستمرار في خدمتكم ادارة الموقع ... ( مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ )